وكالة الأنباء أوغادين

من المسؤول عن الاحتلال الإثيوبي للصومال ؟ (2) بقلم عبد العزيز عرتن

بتاريخ 02 يوليو/تموز 2008 نشر لي الموقع مقالا بعنوان ” من المسؤول عن الاحتلال الإثيوبي للصومال ” تعرضنا من خلاله لمن نعتقد أنهم ساهموا مساهمة مباشرة في الاحتلال الإثيوبي للصومال ، حيث تناول المقال دور الحكومة الانتقالية التي تزعمها عبد الله يوسف واتحاد المحاكم الاسلامية ، وبنية المتابعة على المساهمين الآخرين غير المباشرين والذين ذكرنا أسماءهم من خلال تعريضنا لتلك الحلقة . ولكن الانشغال في متاعب الحياة المختلفة حالت دون متابعتي للخطة المرسومة لحلقات المقال ، مما أجبرني على الانقطاع عنه إلى هذه اللحظة، وسنتطرق في هذه الحلقة وما بعدها إن شاء الله إلى المساهمين غير المباشرين في احتلال البلاد والذين هم بدورهم ينقسمون إلى محليين ودوليين، دون إعطاء المجال للانقطاع بأن يأخذ دوره من جديد .
وسنبدأ حسب قربهم وصلة هذا القرب من الاحتلال، فأهل الحل والعقد أولا ، فالشعب ، فالحكومات الصومالية ، وأخيرا اللاعبين الدوليين والإقليميـين في هذا الشأن.
دور أهل الحل والعقد في احتلال البلاد

منذ سقوط نظام زياد بري بل الدولة الصومالية بأكملها، انهارت البلاد بعد تفكك أو تفكيك مقوماتها، وسادت مظاهر الفرقة والتشرذم ، ودخلت البلاد في نفق مظلم لا يعلم نهايته إلا الله، عندها حصل فراغ خطير في قيادة البلاد، هذا الفراغ الذي أفاد منه من ليسوا أهلا لشغل هذا الموقع، وسيطروا على مقاليد الأمور بالخداع والاحتيال.
هنا كان المؤمل من أهل الحل والعقد المتمثلين في ” السياسيين والمثقفين وعلماء الدين وأعيان وشيوخ القبائل” أن يتحملوا مسؤولياتهم والقيام بالدور المنتظر منهم، لئلا تخلوَ الساحة لمن ليس لها أهلاً . هذا الدور الذي لعبوه طويلا في قيادة الشعب عبر تاريخه ولم يكن بدعة عليهم، والذي لم يتوقف أو بالأحرى لم ينخفض إلا الفترة البسيطة التي عشناها في ظل نظام الدولة ، وعند فقدانها وسقوطها بأيدي المعارضة القبلية كان من اللازم عودة هذه الفئة إلى لعب دورهم القديم والتحرك السريع لاستعادة مكانتهم، أي قيادة البلاد والشعب إلى بر الأمان، وإعادة الدولة المخطوفة إلى حضن الشعب.
هل هذه الرؤية وهذا الدور كانا واضحين أمام هذه الفئة؟ وهل كانوا يشعرون بالمسؤولية التي تحتم عليهم المرحلة؟ هل قرؤوا الواقع الداخلي للبلاد وما يمكن أن يتمخض عنه في حال تأخر تحركهم، ناهيك عن عدمه؟ أما سمعوا من الأقدمين الأطماع الإثيوبية حول الصومال؟ أما قرؤوه في الكتب؟ أما استشعروا أن الفرصة باتت مهيئة لها في حال تأخرهم أكثر من اللازم ؟ وبالتالي مطلوب منهم تحرك سريع قبل فوات الأوان .
الأجندة المفقودة
برأيي كان هناك عدة أعمال مهمة وجليلة كانت في مقدمة أجندة أهل الحل والعقد إن أدركوا ذلك وقتها، منها:
تشكيل مجلس للإنقاذ :
أو سمه ما شئت (اتحاد، منظمة، جبهة، تحالف أو غيرها) لإنقاذ البلاد والشعب، يجمع شتات العقلاء المخلصين لوطنهم ولدينهم ولشعبهم ، شريطة سلامتهم من آفة القبلية والإقليمية التي ابتلي بها هذا الشعب، هدفه الوحيد إنقاذ البلاد وقيادة الشعب في تلك المرحلة الصعبة، والوقوف ضد الانتهازيين في الداخل، والمتآمرين في الخارج. كان هذا يستدعي إيجاد مقر لهذا المجلس في الدول المجاورة والمخلصة للقضية الصومالية كجيبوتي مثلا، ليديروا شؤونهم فيها، كما فعل التحالف من أجل إعادة وتحرير الصومال بعد الاحتلال، كما كان يستدعي الموقف أيضا التنسيق والتعاون مع الدول المعنية والمهتمة بالقضية الصومالية، لمواجهة الطغمة الفاسدة التي سيطرت على البلاد، ومحاصرتها والضغط عليها حتى تستجيب لحاجة البلاد إلى السلام وإبرام مصالحة تعيد له الأمن والاستقرار.
ابتكار طريقة للإنقاذ:
كان عليهم وضع نصب أعينهم بلورة وإيجاد طريقة أو خطة يمكن من خلالها إخراج البلاد من أزمتها، وأن تبذل كل ما في وسعها للوصول إلى هذا الهدف دون يأس، بالاستعانة بكل من له قدرة على ذلك.
قراءة واقع الصومال الجديد : كونهم قيادات البلد التقليديين، كان عليهم إدراك ما يجول في الساحة الصومالية من عمالات، وفي الساحتـين الدولية والإقليمية من مؤامرات، وما يحاك ضد هذا البلد، مما يحتم عليهم المقاومة والرفض للتدخلات الإثيوبية في الصومال، وخاصة في استلامها ملف المفاوضات الصومالية منذ 93.
مطالبة وإصرار :
إقامة دعاوى في المحافل الدولية ضد مجرمي الحرب في البلد كما حدث في أماكن أخرى من العالم، أو إخراجهم عن البلاد لتخرج البلاد عما هي فيه. ( سمعت عبارة قالها الجنرال آدم عبد الله نور “غبيو” وزير الدفاع الأسبق في مؤتمر أديس ابابا عام93 حيث قال: (مشكلة الصومال نحن سببها “زعماء الحرب الأهلية”، فإذا أراد المجتمع الدولي حلاًَ للأزمة الصومالية فيجب عليه منع عودتنا إلى البلاد أو فليضعونا في سجن خارج البلاد).
ما الذي منع أو عرقل ذلك التحرك؟
برأيي كان هناك أسباب عدة حالت دون تحركهم هذا:
العامل القبلي:
أي الحساسيات التي سببتها الحروب القبلية بين العشائر، والتي دقت إسفينا حادا في علاقات العشائر بين بعضها ، والتي لم يسلم منها حتى بعض النخبة من أهل الحل والعقد، إلى درجة أصبحت الثقة معدومة فيما بينهم .
غياب فكرة تنظيم الشعب: وقيادته وتأسيس المؤسسات التي تدافع عن مصالحه، حيث كان الجميع أو الأعم منهم أيام الدولة ينساقون وراء شعارات لا يفهمون ماهيتها وليس لهم نصيب في القيادة.
عدم الشعور بالمسؤولية:
وعدم الشعور بأنهم في محل الدولة بعد سقوطها، ويجب عليهم القيام بدورها، وعدم إدراكهم أو تصديقهم لما يحاك ضد البلد، وهو الحافز الأكبر للقيام بالدور المذكور.
الخوف من وصمة مشاركة في الحرب الأهلية:
وتحاشيهم من أن يؤدي نزولهم إلى الساحة إلى التصادم مع عماء الحرب الأهلية، الذين سيطروا على البلاد بعد إسقاط الحكومة المركزية ، وأن يصبحوا بدورهم زعماء حرب جدد من حيث لم يخططوا.
بيد أن هؤلاء، بدلا من القيام بهذا الدور النبيل، والشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم، انقسموا إلى فرق عديدة، كل أخذ يعالج الأمور أو يفسدها بطريقته الخاصة، إن لم يكن متفرجا عليها، وهم كالتالي:
فريق استسلم للواقع وذاب في عشيرته قلبا وقالبا: وأصبح جزءاً من المشهد الدامي في البلد طيلة فترة الحرب الأهلية، بعد أن أدار ظهره لجميع القيم الدينية والثقافية للمجتمع الصومالي، بحيث لم يحترم الرتب العسكرية أوالشهادات العلمية التي حملها من أجل وطنه ، بل وأصبح ذيلا وخدما لزعماء الحرب الأهلية الذين دمروا البلاد. فمحمود مالن مثلا، وهو أستاذ جامعي أصبح مساعداً والذراع الأيمن لزعيم الحرب موسى سودي ورضي بهذا الدور، بدلا من قيامه بما تمليه عليه الظروف ولعبه دور المواطن والمثقف الصالح وليكون سببا في عودة زعماء الحرب الأهلية إلى رشدهم. وكذلك عبدي ورسمى إسحق عضو المجلس الأعلى للثورة ووزير سابق لفترة طويلة والذي أصبح من مساعدي الجنرال عيديد في أثناء تلك الحرب المدمرة.
فريق فضل الهروب إلى الخارج :
إنكارا منه لما يحدث في البلد ، ولكي لا تتلطخ يداه بدماء الأبرياء المسفوكة ظلما وعدوانا، وكذلك تفاديا لأن يصبح هو ضحية الفوضى، ورحل إلى الخارج طالباً النجاة. وكان من اللازم عليه الموازنة بين الحقوق والواجبات، أي بين حقه الطبيعي في سلامة النفس والأهل والمال، وبين واجبه نحو البلاد والشعب، والرفض والمقاومة ضد الظلم ، وهذا الفريق من أكثر الفرق عددا، وكان بالإمكان وهو مقيم في الخارج أن يمارس نوعا من المسؤولية في تنظيم وإجراء عمل قضائي وسياسي ضد مجرمي الحرب مستعينا بمن يتفق معه في هذه الرؤية .
فريق مارس المقاومة السلبية:
أي أنكر واستنكر ورفض ما يجري دون أن يكلف نفسه مشقة الإصلاح، موقعه بين المتورطين في الاقتتال الداخلي والهاربين إلى الخارج، وفي كثير من الأحيان كان يتعرض لضغوط تدفعه إلى اللحاق بأحد الفريقين. وإن كان فيه محاسن فهي محافظته على حياديته إلى بعض الوقت، حيث أن الكثيرين من هذه المجموعة لم تنجوا من المنـزلق الخطير الذي سببه النـزاع القبلي.
فريق أصبح أداة طيعة بأيدي إثيوبيا:
سواء من كان من إنتاجها أو من انخدع بشعاراتها البراقة، واستخدمتهم أديس أبابا كأداة لتفتيت وتفكيك البلاد، وكإسفين في المصالحات الوطنية. هذا الفريق باع البلاد بأي صفة كانت وبأي ثمن مهما رخص ، للاحتلال الإثيوبي أو للنفايات الغربية، أو عقد اتفاقيات كاذبة لسرقة خيراته. كان وراء فشل 14 مؤتمرا من مؤتمرات المصالحة الصومالية، ولأنهم يعيشون في استمرار الأزمة رفضوا جميع الحلول، فقبل الأزمة كانوا لا شيء وبعدها سينعدمون، وعليه فهم مصرون على بقاء النار مشتعلة.
فريق قاوم ولا يزال:
وهو عدد قليل جدا من العلماء والسياسيين والمثقفين الشرفاء، رفضوا ما يجري في البلد، ونادوا بأعلى صوتهم “أليس منكم رجل رشيد”، وبأن تتوقف هذه الحرب القذرة ، مارسوا المقاومة الإيجابية، وكفروا بالبرامج القبلية والعميلة . ولكن لأنهم قلة وضد التيار ، ولأنهم لم يتبعوا الخطوات الكفيلة لإنجاح عملهم لأسباب كثيرة لم يشكلوا رقما بارزا في المعادلة، إضافة إلى أن الكل حاربهم (القريب قبل البعيد) لأنهم يشكلون المخرج الأخير والوحيد للأزمة الصومالية.
والجدير بالذكر أن أعضاء الفرق المذكورة لم يكن يمنع الواحد منهم شيء دون الانتقال من فريق إلى آخر من الفرق المذكورة، كما كان تغيير الولاءات والتحالفات شيئا مألوفا لديهم. فالشيخ علي الوجيز وهو عالم دين ومن أبرز الدعاة في الصومال، انتهى به المطاف إلى حضن الحكومة الانتقالية التي جلبت الاحتلال، حيث أصبح مستشاراً للشؤون الدينية لعلي محمد جيدي رئيس وزراء الحكومة الانتقالية السابق. والملاحظة الأخرى هي الانخداع الشبه كامل من قبل الساسة الصوماليين في الادعاء الإثيوبي لإحلال السلام في البلاد، مع تفاوت درجة الانخداع، وإلا ماذا يعني اجتماع قرابة ألف شخصية صومالية من جميع شرائح الشعب في أديس أبابا عام 93، لتقيم لهم إثيوبيا دولة بعد تفكيكها بيدهم !! “هنيئاً لهم” .
وربما يتساءل البعض أين زعماء الحرب الأهلية من هذه المعادلة؟ أو ما هو موقعهم بين هذه الفرق؟ وهو سؤال وجيه يستحق الطرح والنقاش. ابتداء نؤكد أن هؤلاء الزعماء ليسوا من ضمن فئة أهل الحل والعقد التي نحن بصدد مناقشة دورها في احتلال البلاد، وبالتالي فهم لا يندرجون تحت الفرق التي ذكرناها من السياسيين والمثقفين ناهيك عن علماء الدين، إلا إذا كان البعض منهم جالس أو سامر يوما هذا الفريق أو ذاك، قبل امتهانه للقرصنة السياسية ونصبه للحواجز لاختطاف الوطن قبل المواطن ، ولامتصاص الحق العام والخاص معاً . ولكن مع ذلك فهم واقع موجود بل هم أسوأ من كان سببا في احتلال البلاد ، وبالتالي يتحتم علينا مناقشة دورهم في احتلال البلاد.
وزعماء الحرب الأهلية أقسام:
الفريق الأول: وهم الذين ابتدعوا الحرب الأهلية بدافع مقاومة ظلم نظام زياد بري، ولربما كانوا محقين إلى حد ما في رفع هذا الشعار، ولكنهم انحرفوا عن الجادة مرتين، الأولى عندما وقعوا في أحضان إثيوبيا العدو اللدود والتاريخي للصومال، التي مولتهم بالمساعدات اللامحدودة (طبعا لمصلحتها)، وأصبحوا يتحركون بإشارتها، ويعقدون معها الاتفاقات السياسية والأمنية لإسقاط زياد بري ، وأصبح مطلب الإسقاط هذا إثيوبيا قبل أن يكون صوماليا .
ومن هنا بدأت أديس أبابا تخطيطها لإسقاط الصومال وليس زياد بري وحده في هاوية لا يستطيع الخروج منها . والثانية عندما انزلقوا في فخ الاقتتال القبلي وإشعال الحرب الأهلية المدمرة، حيث تحولوا من محاربة النظام بعد إسقاطه، إلى امتهان وممارسة حروب قبلية سولت لهم أنفسهم خوضها بداعي محاربة بقايا النظام . وأشهر مثال لذلك هو ما اقترفه الجنرال محمد فارح عيديد، الذي نال الجائزة الأولى لإسقاط زياد بري، ضد الفارين من حروب مقديشو إلى المناطق الجنوبية، هذه الممارسة التي لم ينجُ منها حتى أقرب متحالفيه لإسقاط النظام أحمد عمر جيس من دائرة الاستهداف . في حين كان بعض بقايا النظام الحقيقيون مكرمون معززون في مقديشو ومن أبرزهم حسين كلميا أفرح النائب الثاني لزياد بري، وعضو مجلس قيادة الثورة.
الفريق الثاني:
وهو الذي ظهر بعد إسقاط النظام كرد فعل لما اقترفه الفريق السابق، بداعي الدفاع عن النفس، وعندما سنحت له الظروف لم تكن جرائمه أقل سوءاً مما ارتكبه الفريق الأول، ومن أشهر أفراد هذا الفريق وزيرا الدفاع الأسبقين الجنرال محمد سعيد “مورغان” والجنرال آدم عبد الله نور “غبيو” ، ونائب وزير الدفاع الأسبق الجنرال محمد حاشي غاني. وهكذا تطورت الأمور من سيئ إلى أسوأ، وأخذ المخطط الإثيوبي طريقه إلى التألق والنجاح، وضاعت البلاد بين الفعل ورد الفعل، وبين استئصال بقايا النظام والدفاع عن النفس.
الفريق الثالث:
وهو من نتاج الحرب الأهلية وهو ممن نشأ من محاولة استثمار الوضع المزري في البلاد، بعد مشاهدته ما جناه الأولون من أموال وسلطة، ولكي يحصل على نصيبه من الثروة والجاه، وبالتالي انضم إلى نادي زعماء الحرب الأهلية. بعدها انقسم كل فصيل إلى فصائل عديدة، وكل عشيرة حملت السلاح ضد جارتها وأبناء عمومتها، للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض، أو تحقيق إنجازات سياسية موهومة على الأرض. ونذكر جميعا ما حصل بين عيديد الأب وعلي مهدي، وما حصل بين عيديد ومساعده المخلص له عثمان علي عاتو، وبين موسى سودي ومساعده عمر فلش، وهلمّ جرّا.
ولم يكتف زعماء الحرب الأهلية بإضعاف البلاد أمام الأطماع الخارجية، بل قدم بعضهم تسهيلات ودعوات مجانية لتنفيذ الأطماع الإثيوبية تجاه البلاد ولتدخلها متى شاءت (أدركها أم لم يدركها)، مستعينا بها ضد خصومه السياسيين، كما فعل الجنرال عمر حاج مصلى زعيم الجبهة الوطنية الصومالية SNF حينما استعان بأديس أبابا ضد جماعة الاتحاد الإسلامي 96، وكما فعل عبد الله يوسف رئيس إدارة إقليم أرض بونت 2002 ضد منافسه جامع علي جامع الذي فاز عليه في الانتخابات المحلية ، وبين هذا وذاك فعلت جبهة مقاومة رحنوين نفس الفعل عندما استعانت بالقوات الإثيوبية لاستعادة مدينة بـيـدبـة من عيديد الابن الذي كان يسيطر عليها ، ولا يفوتنا ذكر المساعدات العسكرية السخية التي قدمتها إثيوبيا إلى كل من موسى سودي ومحمد قنيري ومحمد طيري لإفشال حكومة عبدي قاسم .
إذابة الحواجز
السؤال الملح والمهم والذي يطرح نفسه هو كيف استطاعت أديس أبابا إذابة الحواجز النفسية بينها وبين معظم السياسيين الصوماليين، وكيف تغلبت على سنين طوال من الخوف والتوجس المتبادل، وكيف كسبت ودّهم وثقتهم حتى قبلوا وساطتها وتسلمها ملف المصالحة الصومالية ، ثم استقدامها إلى داخل البلاد والاستعانة بها ضد أبناء وطنهم.
برأيي هناك عوامل عدة لعبت دوار هاما وحاسما في هذا المسار، ومنها:
ثقة في غير محلها:
وانخداع معظم السياسيين الصوماليين بقادة إثيوبيا الجدد، الذين أقاموا في مقديشو أيام كفاحهم ضد منغستو، وهم الذين أسقطوا نظامه بجهود ودعم صومالي فعال، حيث اعتبروهم زملاء لهم وهم بصدد رد الجميل، كما انخدعوا بالشعارات التي رفعها هؤلاء الزملاء المفترضون بأنهم يدفعون الغالي والنفيس في عودة الصومال إلى حياته الطبيعية، بل وأبعد من ذلك سينفذون وصية زياد بري لهم بمنح إقليم أوغادين الصومالي القابع تحت الاحتلال الإثيوبي حق تقرير المصير والاستقلال.
حاجة الفرقاء الصوماليين إلى الدعم: بحيث استثمرت أديس أبابا هذه الحاجة أفضل استقلال، حيث أن كل من شعر بالضعف أمام الخصم الداخلي الصومالي كان يستنجد بها ملهوفا، وهي بدورها تقوم حسب ما تحتم عليها مصلحتها واستراتيجيتها، ثم يصبح هذا المنقذ حليفا مواليا لها، مصغيا ومنفذا لأوامرها، ويضع مصلحتها قبل أي اعتبار.
ضعف المناعة الصومالية:
بحيث أن الشعب وقيادته لم يكن لديهم الجرعة المناعية الكافية التي تجعلهم محصـنيـن من الاختراق ، رافضين التبعية أيا كانت داخلية أم خارجية ، وأن يضعوا الأمور في نصابها بالتميـيز بين المبادئ الثابتة التي لا مساومة فيها ولا تنازل عنها ، والمصلحة المتغيرة حسب الظرف والحاجة.
الإصرار والعزيمة الإثيوبية:
والتي انتهجتها أديس أبابا في تعاملها مع الوضع الصومالي واضعة نصب أعينها في تنفيذ استراتيجية قديمة حديثة تتمثل في تفتيت الصومال، والاستحواذ عليه بشكل أو بآخر إن سنحت الفرصة، ولا ضير في إضعافه في حال استحالة المطلب الأول.
طرق إفادة إثيوبيا من زعماء الحرب الأهلية في الصومال
تعددت وتنوعت أساليب خدمة هؤلاء لأثيوبيا، ومن أهمها:
إفشال المؤتمرات:
لعرقلة إيجاد حكومة صومالية تعيد وحدة البلاد، والتي ستسحب منهم الامتيازات التي حصّلوها أثناء الحرب الأهلية بل ستجرهم إلى المحاكم ومحاسبتهم على أفعالهم، فضلا عن كون هذا الإفشال مطلبا إثيوبيا. واتبعوا طرقا وأساليب متعددة ليستمر الفشل وليتواصل النـزيف الصومالي في الداخل والخارج، منها مقاطعة المؤتمرات والرفض لحضورها، فعله معظم زعماء الحرب الأهلية في مؤتمر عرته بجيبوتي 2000 والذي كان من أنجح المؤتمرات في الشأن الصومالي، يتقدمهم عبد الله يوسف وحسين عيديد وموسى سودي. ومن الأساليب أيضا الانسحاب من المؤتمر أثناء انعقاده لزرع البلبلة وعدم الثقة بين المؤتمرين كما فعله كل من أحمد عمر جيس وحسن محمد نور (شار غدود) أيضا في مؤتمر عرته، أو الممانعة عن توقيع أو تنفيذ الاتفاقات كما فعله عبد الله يوسف وآدم عبد الله نور (غبيو) في مؤتمر القاهرة 97.
تأجيج الصراعات الداخلية:
بالاستعانة بأديس أبابا والاستقواء بها ضد الخصوم ، وتكاد تكون هذه السمة البارزة والقاسم المشترك بين جموع زعماء تلك الحرب القذرة. وبعد سير مثيري الحرب القدامى على هذا الطريق كعبد الله يوسف وعيديد الأب وأحمد عمر جيس وأحمد محمد سيلانيو ضد زياد بري ونظامه، تابع الخلف طريق السلف ، ولكن باختلاف طفيف وهو عدم وجود هدف مشترك، وأول من فتح هذا الباب أثناء الحرب الأهلية هو الجنرال عمر حاج مصللى باستقوائه بأديس أبابا ضد جماعة الاتحاد الإسلامي عام 96، ولا يزال الباب مفتوحا حتى مجيء الاحتلال الأخير بدعوة من عبد الله يوسف وحكومته.
ملاحقة وتصفية الإسلاميين في الصومال:
المطلوبين لأمريكا أوإثيوبيا سواء المنتمين إلى إقليم أوغادين ” الصومال الغربي” القابع تحت الاحتلال الإثيوبي، أو الداعمين لهم داخل الصومال، أو حتى الذين يرفضون علنا سياسات إثيوبيا تجاه الصومال فقط ، إما بالاعتقال أو الاغتيال، ومحمد قنيري وبشير راجي ومحمد عمر حبيب ” محمد طيري ” أفضل من مثل هذا الدور .
حكر الوساطة الصومالية لصالح إثيوبيا: حيث الانحياز والتطبيل لوساطتها والتي عانى منها الصومال طويلا ولا يزال ، وتعني استمرار الفرقة والنزاع، إلى جانب الرفض والتشويه للوساطات غير الإثيوبية وخاصة العربية. وهو ما أدى أخيرا إلى إيجاد الحكومة الانتقالية التي تزعمها عبد الله يوسف والتي قدمت الدعوى الذهبية لقدوم الإثيوبيين بالطريقة المعروفة للجميع .
فماذا بعد ؟
فبعد مرحلة التقصير الأولى ومرحلة التواطؤ الثانية ، انتهى أمر البلاد إلى مرحلة ثالثة أسوأ وأبشع من سابقتيها وهي مرحلة وقوع البلاد في أحضان الاحتلال الإثيوبي البغيض. وعاشت البلاد في أيام كئيبة وليالي مظلمة لم يوجد مثيلا لها في التاريخ الصومالي الممتد عبر آلاف السنين إلا عندما حاصر ودمر البرتغاليون المدن الساحلية الصومالية الواحدة تلو الأخرى وقاموا باستباحة أهاليها في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي ، ولكن وحتى في ذلك الوقت الكئيب عصت مقديشو على السقوط ودافع عنها أبناؤها ببسالة منقطعة النظير ، أما اليوم فدنست أرضها الأبية ليس بسبب قوة العدو ولكن كما قلنا بسبب إما تقصير أوتواطؤ أبناؤها مع العدو ، أو التنازع والتشرذم الداخلي الذي أصاب مفاصل المجتمع بالنخر ، وهو الذي نهانا الله عنه جلّ وعلا ((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)) الأمر الذي لم يتعظ منه الصوماليون بعد ، حتى بعد الدرس القاسي من الاحتلال، وخاصة الذين يحملون السلاح وربما سيؤدي هذا إلى احتلال جديد لا نعرف ماهيته إذا لم يغير هؤلاء تفكيرهم وتقديرهم للأمور

Short URL: http://www.ogadennet.com/?p=41

Posted by on أكتوبر 10 2011. Filed under مقالات. You can follow any responses to this entry through the RSS 2.0. Both comments and pings are currently closed.

Comments are closed

Photo Gallery

تسجيل الدخول | Copyright © 2009 - 2011 ogadennet.com